غزوة تبوك
استعدادات علنية لمواجهة الروم
في أواخر السنة الثامنة للهجرة، في أعقاب فتح مكة وانتصار الرسول(ص) في الطائف، وصلت الرسول (ص) أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة قد هيأ جيشاً لمهاجمة الدولة الإسلامية قبل أن تصبح خطراً على دولته.
وأرسل النبيّ (ص) إلى القبائل العربية في مختلف المناطق يستنفرهم على قتال الروم، وقد خالف في هذه الغزوة الطريقة المعهودة التي كان يقوم فيها بالإعداد للحرب، وغالباً ما كان يُعلن عن أهداف غير تلك التي يريد قصدها، فاجتمع له حوالي ثلاثين ألف مقاتل تصحبهم عشرة آلاف فرس.
غزوة العسرة والملابسات
وكان الوقت صيفاً، والصحراء تحترق ناراً، ويسود البلاد حالة من الجدب والقحط، والنّاس تحبّ أن تبقى تحت الظلال، خاصة وأنَّ محنة مؤتة لـم تكن بعيدة عن الأذهان.
وبالرغم من كلِّ ذلك، استقبل جماعة من المسلمين هذه الدعوة بقلوب عامرة بالإيمان ونفوس مطمئنة بما وعد اللّه به المجاهدين، تاركين نساءهم وأبناءهم ليقطعوا الصحارى والفيافي، ولكنّ جماعة أخرى دخلوا الإسلام رغبةً ورهبةً، استقبلت الدعوة بالتثاقل، وبدأوا يلتمسون الأعذار، ويعتذرون بالحرّ تارة والقوّة أخرى، وببعد المسافة ثالثة، وقوّة العدوّ رابعة وما إلى ذلك.
وأخيراً، وبعد أن استخلف الرسول(ص) علياً على المدينة، بدأ المسلمون سيرهم، وقطعوا آلاف الأميال عانوا خلالها العطش والجوع والحر ومن قلّة وسائل الركوب، وقد سميت الغزوة "غزوة العسرة"، وقالوا إنَّها جاءت عسرة من الماء وعسرة من الظهر، وعسرة من النفقة، وما إلى ذلك، وفي ذلك قال تعالـى: {لقد تاب اللّه على النبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة..} (التوبة:117)، وقد أنزل اللّه تعالى آيات تتحدّث عن أجواء هذه الموقعة، وتدعو المسلمين إلى التمسك والالتزام بمبادئ دينهم التي لا يجوز التفريط بها لأي سببٍ كان {يا أيُّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاَّ قليل * إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئاً واللّه على كلِّ شيء قدير} (التوبة: 38 ـ 39).
كما أنَّ الآيات فضحت المنافقين وكشفت عن المتردّدين {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنم أشدُّ حراً لو كانوا يفقهون} (التوبة:81).
المسلمون في تبوك واحتواء القبائل العربية
انتهى المطاف بالمسلمين إلى تبوك في أقصى الشمال، وعلم الروم وحلفاؤهم بمسير المسلمين، فآثروا الانسحاب إلى الداخل، فاجتازوا الأردن وفلسطين، وبالتحديد إلى منطقة حمص، حيثُ استقر هرقل، بهدف استدراج القوات الإسلامية إلى الداخل والانقضاض عليها، ولكنَّ الرسول (ص) أفشل مخططهم وعسكر في تبوك، وجعلها آخر نقطة في توغله شمالاً، وراح يُراقب تحرّكات الروم.
أخذ الرسول (ص) يتصل بالقبائل العربية المتنصرة المجاورة ويعقد معهم معاهدات الصلح والتعاون، وكان من هؤلاء يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة الذي صالح الرسول (ص) ووافق على منحه الجزية، كما جاءه أهل جرباء وأذرع وأعطوه الجزية التي تعني من ناحية السيادة التحاقهم بالدولة الإسلامية، مقابل منحهم حرية ممارسة معتقداتهم الدينية، والعيش مع جيرانهم المسلمين بسلام واطمئنان.
واطمأن النبيّ (ص) بعد معاهدة تلك القبائل المتاخمة لحدود الحجاز، ولـم يبقَ عليه إلاَّ أكيدر بن عبد الملك الكندي أمير دومة، فأرسل إليه خالد بن الوليد على رأس قوّة من خمسمائة فارس، فتمكن من أسره وقتل أخيه.
وعاد إلى رسول اللّه (ص) ومعه أكيدر، فحقن الرسول (ص) دمه، وعرض عليه الإسلام فأبى، وصالحه على الجزية، ثُمَّ أطلق سبيله فرجع إلى بلده.
نصر على البيزنطيين
وبقي الرسول (ص) يُرابط بقواته في تبوك مدّة عشرين يوماً، لـم يقاتل أحداً، وحقّق بحركته هذه انتصاراً على الجبهة البيزنطية لا يقل في نتائجه عن الانتصارات السابقة ضدّ الوثنية واليهود، تمكن من سلخ القبائل العربية من الناحيتين السياسية والحضارية عن الامبراطورية البيزنطية، ما أفقدها قوّة إضافية، وأصبح المسلمون على تماس مباشر بالقوات البيزنطية، كما أنَّه أشعر القبائل الأخرى بمدى قوّة الدولة الجديدة، وأعلن بعض الأمراء التحاقهم بالإسلام من دون أن تصل إليهم رسائل النبيّ(ص)، كفروة بن عمرو الجذامي، عامل قيصر على عمان من أرض البلقاء، غير آبه بطلب الإمبراطور البيزنطي بتراجعه عن الإسلام، وإيذائه وإلقائه في التهلكة، هذا بالرغم مما لقيه الدعاة المسلمون من تحرش من قبل بعض الأمراء العرب في الأردن إرضاءً لسادتهم.
ويبقى العامل الأهمّ في إظهار عجز الدولة البيزنطية عن مواجهة المسلمين، وهذا ما ترجم بالانسحاب إلى داخل الأراضي البيزنطية.
وعلى الصعيد الداخلي، فقد عزّز هذا الأمر من ثقة المسلمين ومن تماسكهم، وزادهم قوّة ومناعة لجبه التحدّيات والأخطار، وأقفل الباب على كلّ من تسوِّل له نفسه أن يثور على الدولة الإسلامية، وهذا ما ترجم ندماً واعتذاراً من قبل الذين تخلّفوا عن الالتحاق بالجيش الإسلامي الذي قصد تبوك.
استعدادات علنية لمواجهة الروم
في أواخر السنة الثامنة للهجرة، في أعقاب فتح مكة وانتصار الرسول(ص) في الطائف، وصلت الرسول (ص) أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة قد هيأ جيشاً لمهاجمة الدولة الإسلامية قبل أن تصبح خطراً على دولته.
وأرسل النبيّ (ص) إلى القبائل العربية في مختلف المناطق يستنفرهم على قتال الروم، وقد خالف في هذه الغزوة الطريقة المعهودة التي كان يقوم فيها بالإعداد للحرب، وغالباً ما كان يُعلن عن أهداف غير تلك التي يريد قصدها، فاجتمع له حوالي ثلاثين ألف مقاتل تصحبهم عشرة آلاف فرس.
غزوة العسرة والملابسات
وكان الوقت صيفاً، والصحراء تحترق ناراً، ويسود البلاد حالة من الجدب والقحط، والنّاس تحبّ أن تبقى تحت الظلال، خاصة وأنَّ محنة مؤتة لـم تكن بعيدة عن الأذهان.
وبالرغم من كلِّ ذلك، استقبل جماعة من المسلمين هذه الدعوة بقلوب عامرة بالإيمان ونفوس مطمئنة بما وعد اللّه به المجاهدين، تاركين نساءهم وأبناءهم ليقطعوا الصحارى والفيافي، ولكنّ جماعة أخرى دخلوا الإسلام رغبةً ورهبةً، استقبلت الدعوة بالتثاقل، وبدأوا يلتمسون الأعذار، ويعتذرون بالحرّ تارة والقوّة أخرى، وببعد المسافة ثالثة، وقوّة العدوّ رابعة وما إلى ذلك.
وأخيراً، وبعد أن استخلف الرسول(ص) علياً على المدينة، بدأ المسلمون سيرهم، وقطعوا آلاف الأميال عانوا خلالها العطش والجوع والحر ومن قلّة وسائل الركوب، وقد سميت الغزوة "غزوة العسرة"، وقالوا إنَّها جاءت عسرة من الماء وعسرة من الظهر، وعسرة من النفقة، وما إلى ذلك، وفي ذلك قال تعالـى: {لقد تاب اللّه على النبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة..} (التوبة:117)، وقد أنزل اللّه تعالى آيات تتحدّث عن أجواء هذه الموقعة، وتدعو المسلمين إلى التمسك والالتزام بمبادئ دينهم التي لا يجوز التفريط بها لأي سببٍ كان {يا أيُّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاَّ قليل * إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئاً واللّه على كلِّ شيء قدير} (التوبة: 38 ـ 39).
كما أنَّ الآيات فضحت المنافقين وكشفت عن المتردّدين {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنم أشدُّ حراً لو كانوا يفقهون} (التوبة:81).
المسلمون في تبوك واحتواء القبائل العربية
انتهى المطاف بالمسلمين إلى تبوك في أقصى الشمال، وعلم الروم وحلفاؤهم بمسير المسلمين، فآثروا الانسحاب إلى الداخل، فاجتازوا الأردن وفلسطين، وبالتحديد إلى منطقة حمص، حيثُ استقر هرقل، بهدف استدراج القوات الإسلامية إلى الداخل والانقضاض عليها، ولكنَّ الرسول (ص) أفشل مخططهم وعسكر في تبوك، وجعلها آخر نقطة في توغله شمالاً، وراح يُراقب تحرّكات الروم.
أخذ الرسول (ص) يتصل بالقبائل العربية المتنصرة المجاورة ويعقد معهم معاهدات الصلح والتعاون، وكان من هؤلاء يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة الذي صالح الرسول (ص) ووافق على منحه الجزية، كما جاءه أهل جرباء وأذرع وأعطوه الجزية التي تعني من ناحية السيادة التحاقهم بالدولة الإسلامية، مقابل منحهم حرية ممارسة معتقداتهم الدينية، والعيش مع جيرانهم المسلمين بسلام واطمئنان.
واطمأن النبيّ (ص) بعد معاهدة تلك القبائل المتاخمة لحدود الحجاز، ولـم يبقَ عليه إلاَّ أكيدر بن عبد الملك الكندي أمير دومة، فأرسل إليه خالد بن الوليد على رأس قوّة من خمسمائة فارس، فتمكن من أسره وقتل أخيه.
وعاد إلى رسول اللّه (ص) ومعه أكيدر، فحقن الرسول (ص) دمه، وعرض عليه الإسلام فأبى، وصالحه على الجزية، ثُمَّ أطلق سبيله فرجع إلى بلده.
نصر على البيزنطيين
وبقي الرسول (ص) يُرابط بقواته في تبوك مدّة عشرين يوماً، لـم يقاتل أحداً، وحقّق بحركته هذه انتصاراً على الجبهة البيزنطية لا يقل في نتائجه عن الانتصارات السابقة ضدّ الوثنية واليهود، تمكن من سلخ القبائل العربية من الناحيتين السياسية والحضارية عن الامبراطورية البيزنطية، ما أفقدها قوّة إضافية، وأصبح المسلمون على تماس مباشر بالقوات البيزنطية، كما أنَّه أشعر القبائل الأخرى بمدى قوّة الدولة الجديدة، وأعلن بعض الأمراء التحاقهم بالإسلام من دون أن تصل إليهم رسائل النبيّ(ص)، كفروة بن عمرو الجذامي، عامل قيصر على عمان من أرض البلقاء، غير آبه بطلب الإمبراطور البيزنطي بتراجعه عن الإسلام، وإيذائه وإلقائه في التهلكة، هذا بالرغم مما لقيه الدعاة المسلمون من تحرش من قبل بعض الأمراء العرب في الأردن إرضاءً لسادتهم.
ويبقى العامل الأهمّ في إظهار عجز الدولة البيزنطية عن مواجهة المسلمين، وهذا ما ترجم بالانسحاب إلى داخل الأراضي البيزنطية.
وعلى الصعيد الداخلي، فقد عزّز هذا الأمر من ثقة المسلمين ومن تماسكهم، وزادهم قوّة ومناعة لجبه التحدّيات والأخطار، وأقفل الباب على كلّ من تسوِّل له نفسه أن يثور على الدولة الإسلامية، وهذا ما ترجم ندماً واعتذاراً من قبل الذين تخلّفوا عن الالتحاق بالجيش الإسلامي الذي قصد تبوك.